المشاركات

عرض المشاركات من مارس, ٢٠٢٣

قصّة طبيب في مصحّة - الجزء الثاني

  زادت الأمور فوضى بعد تناقص موظفي القسم لسبب مجهول بالنسبة لموظف جديد، وحينما تحريت عن الأمر، علمت أن الموظفين يحتجون على المرضى العنيفين الذين يسببون لهم إيذاءات كبرى. لحسن الحظ أن المسن الذي تحت رعايتي، مُجرد غريب أطوار داخل رأسه، إنه لا يصرخ أو يقاوم، حتى وإن ساورته بعض الإنفعالات من حين لآخر.     جلست في الظهيرة أمام باب غرفته، واستلقيت برأسي على المكتب الصغير، وأخذت غفوة لا أعرف كم مدتها…  رن جرس التحذير وبدا اللون الأحمر يخترق مقلتي، لقد كان مريضًا آخر يحاول طعن طبيبه.    وحينما ذهبت للإطمئنان على العجوز، وجدته جالسًا على طرف النافذة العالية، ويا للغرابة أنها كانت مفتوحة!  بدا وكأنه سيقفز في أي لحظة، لكنه عوضًا عن هذا، سينتظر القفزة أن تفعله لا ان يفعلها. بت أعرفه! ولجنونه أعتقد أنه يريد ذلك ولكنه محبوس في عجزه.    وعندما حان وقت الجرعة المسائية، وجدته مستلقيًا، كفيل ضخم نجح سوط البشر في ترويضه، اقتربت منه دون أن أنبس بكلمة وباشرت الإجراءات الروتينية.    لف مضجعه ليقابل وجهي، ثم تمتم بوقاحته المعهودة: أنت تعيس، أتدري؟ ولن تستطيع أن تنفي، فأنت كسائر البشر، محبوس في هذا النظام الي

قصّة طبيب في مصحّة - الجزء الأول

إنه اليوم الأول الذي أخرج فيه من غرفتي كعاطل، نحو خطوة أخيرة لتقلّد أول منصب وظيفي بعد صراع مضني مع سنوات التخصص. ارتديت أنصع الملابس وشددت أزرارها عطرًا، ارتديت حذاءً جلديًا أسود لم يرتدي مثله أي طيار، ولم أكن على أي حال أرتديه إلا في المناسبات الكبرى. وعندما وصلت إلى ذلك المكان النائي، الذي يشبه جبلاً من الوحل ببنائه، أو يشبه مقبرة مجتمعة لكل البشر، ارتعدت فرائصي، وأكد الخوف نفسه بداخلي.. هل هذا ماكنت أخشاه منذ البداية؟ هل هذا ما عارضت والداي من أجله؟ وأخرج الخوف صوته من فاهي "هل رأيت؟ هل رأيت؟ سينتهي بك الحال في أروقة يعبرها المجانين، ناهيك عن أنك لن ترى بيئة نظيفة، أو أثاثًا، أو ورودًا، إنهم يبعدون كل شيء عن أولئك المجانين. كل شيء يمنح المكان بريقاً طبيعيًا سيكون غائبًا، وأنت لا تستحمل البقاء في مكان كهذا" توقفت لبرهة عند المدخل، رغم وجود الممرضة التي تحمل ورق تحضير على بعد أمتار، إلا أن خطواتي تجمدت بفعل الصراخ والنداء للمرضى، حملقت عيناها فيّ وأضطررت لصنع إبتسامة غبيّة والمضي إليها.    وعندما أدخلتني وجدت سيلاً من المقابلين الذين ترن هواتفهم ويجيبون على المتصلين بإمتعاض