كتاب حياة في الإدارة: ظاهرة اللاجديّة وموظفين العالم الكرتوني في مسيرة غازي القصيبي

عن الإدارة: ظاهرة اللاجديّة وموظفين "العالم الكرتوني" 

مرحبًا عزيزي القارئ كيف حالك اليوم؟ –تدربّت على الترحيب بحميمية أكثر لكني لم أجد أفضل من القول المعتاد: لـمرحباً!– 

على أي حال، أتمنى أنك في أحسن أحوالك لأن ماستقرأه تالياً سيجعلك تضحك أو تبكي، أو على أقل تقدير تثغر فاهك بتعجب ويغير من حالتك قليلاً؛ فما ستقرأه اليوم يبدو وكأنه مزحة من عالم الكرتون! 

 

أثناء قرائتي لكتاب السيرة الذاتية "حياة في الإدارة" ذكر الدكتور غازي القصيبي مرتين خلال فترتين متباينتين -وفي وزارتين مختلفتين ايضاً!- أن الموظفين الذين كانوا يشغرون الوزارة حينها كانوا غير منضبطين أو متسمين بجدية العمل. بل ودخل مرة -أثناء تسلمه لوزارة الصحة- مبناها الرئيسي ولم يجد سوى الكراسي الفارغة! أتتصور عزيزي القارئ أن وزيراً يطوف في مكاتب الموظفين ولا يجد من يتملقه حتى؟ وما أدهشني أكثر أن هنالك من إعترض على دعوة الإنضباط تلك وفكرة الإجراءات التأديبية فطلب الإستقالة! 

"في اليوم التالي قدّم مسئول كبير إسقالته إحتجاجًا على هذه <الإهانة> لم آمر بها ولم تسؤني، قبلتُ استقالته على الفور!"
– القصيبي


وظاهرة اللاجدية في بلادنا متجذرة وقديمة، وأكثر من قام برصدها بذلك الوضوح هو الدكتور القصيبي -فقد شغر مناصباً عديدة جعلته خبيراً بكافة أشكال اللاجديّة والإهمال-


لكن الحالات التي عايشها القصيبي كانت من النوع الخطير، وفي الوقت الخطير، لأشخاصٍ يشغرون أمكنة هامّة داخل الوزارات كان عليها أن تكون فعّالة لأقصى حد ممكن. أما بالنظرة الشاملة فتحدث ظاهرة اللاجدية في الكثير من الأوساط، ويساهم بها الكبير والصغير على حد سواء، وحتى من الصغير إلى الأقل صغراً، حتى يبدو الأمر وكأنه عدوى من اللاجدية. لدرجة يعتقد المرء أثناء مطالعة هذه الوقائع، أن اللاجدية هي أول مايمكن فعله بديهياً إزاء عملٍ ما.


فكما ذكر القصيبي في مسيرته كانوا حتى "فرّاشين المباني" يغطون بنوم عميق في حالة من اللاجدية والإهمال. وفي موقف لايخلو من الحكمة الطريفة قال أحد الزملاء للقصيبي: إبدأ بمسؤول كبير تكتفي من إقالة من هم تحته وكم كانت هذه نصيحة سديدة حسب مراجعة القصيبي لها. 

 

" أغناني المسئول الكبير المُستقيل عن إتخاذ أي إجراء مع أحد." –القصيبي 


أذكر ايضاً -من نفس السيرة- مواقفاً لعبت فيها "الواسطات" دوراً بزيادة اللاإنضباط في منظومة الصحة أثناء منصب القصيبي الوزاري، وهذا موقف طريف بحيث لا تسعني الكلمات لأن أغير من أي شكل من أشكال ظهور طرافته، فكما نقل القصيبي أن وزير الصحة السابق عانى من طبيب لم يستطع فصله بسبب "الواسطات" التي تعيده إلى مركزه مراراً وتكراراً، وأكتفى ذلك الوزير المسكين بإستخدام -منصب المظلوم لا منصب الوزير- ضدّ الطبيب أثناء تأديته لصلاته!


لحسن الحظ، عالج القصيبي هذه المواقف بطريقة الحزم والتشديد، والتي يعتبرها البعض طريقة فظّة -بل وعدائية- وعلى مايبدو أن من يعتبر النظام الصارم والتصرف وفقًا عليه <إهانة> هو ممن يستخفون بالإشراف ولا يعرفون ما الذي تعنيه الرقابة الذاتية. بل ويرى أن جميع طرق الإدارة الحازمة هي قسوة وتحقير وإساءة شخصيّة له، ولا يسعه فهم أن ما يُحاكم عليه في ‏إيطار العمل من قِبل مديره هو -إنتاجه- الذي يهم الجميع -لا شخصه- .

 

وهنا تحديداً يأتي دور وأهمية القائد الناجح، وهي ألا يتساهل حتى عندما يلين، فكما بينت لنا تجارب القصيبي الضرب بيد من حديد يساعد على إنتاج الذهب، أما "موظفين العالم الكرتوني" الذين يتغيبون عن أبسط أشكال التواجد الحضوري وينتظرون مرتباً آخر الشهر… لن يدفعوا عجلة التنمية مادامت عجلة الوقت لديهم معطوبة. وعلى العكس، سيجلسون عليها ويزيدون حملها وخسائرها أو حتى ينجرفون لإستعمال مواردها في كسلهم بدلاً من دفعها، مما يعيق حتى الآخرين المجتهدين أن يحركوها لأهدافها. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصّة طبيب في مصحّة - الجزء الثاني

قصّة طبيب في مصحّة - الجزء الأول

القصة القصيرة الفائزة بمسابقة بيت السرد 2021 : قصة بعثُ فكرة